كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي بعض الأخبار ما يدل على أن الرجل والمرأة في عدم نزع الثياب إلا الفرو والمحشو سواء، وكأن من لا يقول بنزع الثياب يقول: إن الجلد في العرف الضرب مطلقًا وليس خاصًا بضرب الجلد بلا واسطة، نعم ربما يقال: إن في اختياره على الضرب إشارة إلى أن المراد ضرب يؤلم الجلد وكأنه لهذا قيل ينزع الفرو والمحشو فإن الضرب في الأغلب لا يؤلم جلد من عليه واحد منهما، وينبغي أن لا يكون الضرب مبرحًا لأن الإهلاك غير مطلوب، ومن هنا قالوا: إن كان من وجب عليه الحد ضعيف الخلقة فخيف عليه الهلاك يجلد جلدًا ضعيفًا يحتمله، وكذا قالوا: يفرق الضرب على أعضاء المحدود لأن جمعه في عضو قد يفسده وربما يفضي إلى الهلاك، وينبغي أن يتقى الوجه والمذاكير لما روى موقوفًا على علي كرم الله تعالى وجهه أنه أتى برجل سكران أو في حد فقال: اضرب واعط كل عضو حقه واتق الوجه والمذاكير، وكذا الرأس لأنه مجمع الحواس الباطنة فربما يفسد وهو إهلاك معنى، وكان أبو يوسف يقول باتقائه ثم رجع وقال يضرب ضربة واحدة، وروى عنه أنه استثنى البطن والصدر وفيه نظر إلا أن يقال: كان الضرب في زمانه كالضرب الذي يفعله ظلمة زماننا وحيئنذ ينبغي أن يقول باستثناء الرأس قطعًا، وعن مالك أنه خص الظهر وما يليه بالجلد لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية: «البينة وإلا فحد في ظهرك» وأجيب بأن المراد بالظهر فيه نفسه أي فحد ثابت عليك بدليل ما ثبت عن كبار الصحابة من عمر وعلي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه» فإنه في نحو الحد فما سواه داخل في الضرب، ثم خص منه الفرج بدليل الاجماع، وعن محمد في التعزير ضرب الظهر وفي الحدود ضرب الأعضاء، ثم هذا الضرب يكون للرجل قائمًا غير ممدود وللمرأة قاعدة وجاء ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه، وكأن وجهه أن مبنى الحد على التشهير زجرًا للعامة عن مثله والقيام أبلغ فيه، والمرأة مبنى أمرها على الستر فيكتفي بتشهير الحد فقد من غير زيادة، وإن امتنع الرجل ولم يقف أو لم يصبر فلا بأس بربطه على أسطوانة أو إمساك أحد له، والمراد من العدد المفروض في جلد كل واحد منهما أعني مائة جلدة مايقال له مائة جلدة بوجه من الوجوه وإن لم تتعين الأولى والثانية والثالثة وهكذا إلى تمام المائة فلو ضربه مائة رجل بمائة سوط دفعة واحدة كفى في الحد بل قالوا: جاز أن تجمع الأسواط فيضرب مرة واحدة بحيث يصيبه كل واحد منها وروى عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه ضرب في حد بسوط له طرفان أربعين ضربة فحسب كل ضربة بضربتين، وقدمت الزانية على الزاني مع أن العادة تقديم الزاني عليها لأنها هي الأصل إذ الباعثة فيها أقوى ولولا تمكينها لم يزن، واشتقاقهما من الزنا وهو مقصور في اللغة الفصحى وهي لغة أهل الحجاز وقد يمد في لغة أهل نجد وعليها قال الفرزدق:
أبا طاهر من يزن يعرف زناؤه

ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرًا والزنا في عرف اللغة والشرع على ما قيل وطء الرجل المرأة في القبل في غير الملك وشبهة الملك، وفيه أنه يرد عليه زنى المرأة فإنه زنى ولا يصدق عليه التعريف، وما قيل في الجواب عنه: إنه فعل الوطىء أمر مشترك بين الرجل والمرأة فإذا وجد بينهما يتصف كل منهما به وتسمى هي واطئة ولذا سماها سبحانه وتعالى زانية ولا يخفى ما فيه مع أن في التعريف ما لا يصلحه هذا الجواب لو كان صحيحًا.
والحق أن زناها لغة تمكينها من زنى الرجل بها وأنه إذا أريد تعريف الزنا المراد في الآية بحيث يشمل زناها فلابد من زيادة التمكين بالنسبة إليها بل زيادته بالنسبة إلى كل منهما وأن يقال: هو إدخال المكلف الطائع قدر حشفته قبل مشتهاة حالًا أو ماضيًا بلا ملك أو شبهة أو تمكينه من ذلك أو تمكينها في دار الإسلام ليصدق على ما لو كان مستلقيًا فقعدت على ذكره فتركها حتى أدخلته فإنهما يحدان في هذه الصورة وليس الموجود منه سوى التمكين، ويعلم من هذا التعريف أنه لا حل على الصبي والمجنون ومن أكرهه السلطان، ولا على من أولج في دبر أو في فرج صغيرة غير مشتهاة أو ميتة أو بهيمة بخلاف من أولج في فرج عجوز، ولا على من زنى في دار الحرب، ولا على من زنى مع شبهة، وفي بعض ما ذكر كلام يطلب من كتب الفقه، والحكم عام فيمن زنى وهو محصن وفي غيره لكن نسخ في حق المحصن قطعًا فإن الحكم في حقه الرجم، ويكفينا في تعيين الناسخ القطع بأمره صلى الله عليه وسلم بالرجم وفعله في زمانه عليه الصلاة والسلام مرات فيكون من نسخ الكتاب بالسنة القطعية.
وقد أجمع الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن تقدم من السلف وعلماء الأمة وأئمة المسلمين على أن المحصن يرجم بالحجارة حتى يموت، وإنكار الخوارج ذلك باطل لأنهم إن أنكروا حجية إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فجعل مركب، وإن أنكروا وقوعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنكارهم حجية خبر الواحد فهو بعد بطلانه بالدليل ليس مما نحن فيه لأن ثبوت الرجم منه عليه الصلاة والسلام متواتر المعنى كشجاعة علي كرم الله تعالى وجهه وجود حاتم، والآحاد في تفاصيل صوره وخصوصياته وهم كسائر المسلمين يوجبون العمل بالتواتر معنى كالمتواتر لفظًا إلا أن انحرافهم عن الصحابة والمسلمين وترك التردد إلى علماء المسلمين والرواة أوقعهم في جهالات كثيرة لخفاء السمع عنهم والشهرة، ولذا حين عابوا على عمر بن عبد العزيز في القول بالرجم من كونه ليس في كتاب الله تعالى ألزمهم بإعداد الركعات ومقادير الزكوات فقالوا: ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم والمسلمين فقال لهم: وهذا أيضًا كذلك، وقد كوشف بهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وكاشف بهم حيث قال كما روى البخاري: خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله تعالى عز وجل فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله عز وجل ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، وروى أبو داود أنه رضي الله تعالى عنه خطب وقال: إن الله عز وجل بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه كتابًا فكان فيما أنزل عليه آية الرجم يعني بها قوله تعالى: {والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نكالا مّنَ الله والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فقرأناها ووعيناها إلى أن قال وإني خشيت أن يطول بالناس زمان فيقول قائل: لا نجد الرجم الحديث بطرقه، وقال: لولا أن يقال: إن عمر زاد في الكتاب لكتبتها على حاشية المصحف الشريف.
ومن الناس من ذهب إلى أن الناسخ الآية المنسوخة التي ذكرها عمر رضي الله تعالى عنه.
وقال العلامة ابن الهمام: إن كون الناسخ السنة القطعية أولى من كون الناسخ ما ذكر من الآية لعدم القطع بثبوتها قرآنًا، ثم نسخ تلاوتها وإن ذكرها عمر رضي الله تعالى عنه وسكت الناس فإن كون الإجماع السكوتي حجة مختلف فيه وبتقدير حجيته لانقطع بأن جميع المجتهدين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا إذ ذاك حضورًا ثم لا شك في أن الطريق في ذلك إلى عمر رضي الله تعالى عنه ظني ولهذا والله تعالى أعلم قال علي كرم الله تعالى وجهه حين جلد شراحة ثم رجمها: جلدتها بكتاب الله تعالى ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلل الرجل بالقرآن المنسوخ التلاوة، ويعلم من قوله المذكور كرم الله تعالى وجهه أنه قائل بعدم نسخ عموم الآية فيكون رأيه أن الرجم حكم زائد في حق المحصن ثبت بالسنة وبذلك قال أهل الظاهر وهو رواية عن أحمد، واستدلوا على ذلك بما رواه أبو داود من قوله صلى الله عليه وسلم: «الثيب بالثيب جلد مائة ورمي الحجارة» وفي رواية غير «ورجم بالحجارة» وعند الحنفية لا يجمع بين الرجم والجلد في المحصن وهو قول مالك والشافعي ورواية أخرى عن أحمد لأن الجلد يعري عن المقصود الذي شرع الحد له وهو الانزجار أو قصده إذا كان القتل لاحقًا له، والعمدة في استدلالهم على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يجمع بينهما قطعًا، فقد تظافرت الطرق أنه صلى الله عليه وسلم بعد سؤاله ما عزا عن الإحصان وتلقيمه الرجوع لم يزد على الأمر بالرجم فقال: اذهبوا به فارجموه، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: «اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت بذلك فارجمها» ولم يقل فاجلدها ثم ارجمها، وجاء في باقي الحديث الشريف فاعترفت فأمر بها صلى الله عليه وسلم فرجمت وقد تكرر الرجم في زمانه صلى الله عليه وسلم ولم يرو أحد أنه جمع بينه وبين الجلد فقطعنا بأنه لم يكن إلا الرجم فوجب كون الخبر السابق منسوخًا وإن لم يعلم خصوص الناسخ، وأجيب عما فعل علي كرم الله تعالى وجهه من الجمع بأنه رأى لا يقاوم ما ذكر من القطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا لا يقاوم إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ويحتمل أن يقال: إنه كرم الله تعالى وجهه لم يثبت عنده الإحصان ءلا بعد الجلد وهو بعيد جدًا كما يظهر من الرجوع إلى القصة والله تعالى أعلم، وإحصان الرجم يتحقق بأشياء نظمها بعضهم فقال:
شروط إحصان أتت ستة ** فخذها عن النص مستفهما

بلوغ وعقل وحرية ** ورابعها كونه مسلما

وعقد صحيح ووطء مباح ** متى اختل شرط فلن يرجما

وزاد غير واحد كون واحد من الزوجين مساويًا الآخر في شراط الإحصان وقت الإصابة بحكم النكاح فلو تزوج الحر المسلم البالغ العاقل أمة أو صبية أو مجنونة أو كتابية ودخل بها لا يصير محصنًا بهذا الدخول حتى لو زنى من بعد لا يرجم، وكذا لو تزوجت الحرة البالغة العاقلة المسلمة من عبد أو مجنون أو صبي ودخل بها لا تصير محصنة فلا ترجم لو زنت بعد.
وذكر ابن الكمال شرطًا آخر وهو أن لا يبطل إحصانهما بالارتداد فلو ارتدا والعياذ بالله تعالى ثم أسلما لم يعد إلا بالدخول بعده ولو بطل بجنون أوعته عاد بالإفاقة، وقيل بالوطء بعده.
والشافعي لا يشترط المساواة في شرائط الإحصان وقت الإصابة فلا رجم عنده في المسألتين السابقتين، وكذا لا يشترط الإسلام فلو زنى الذمي الثيب الحر يجلد عندنا ويرجم عنده وهو رواية عن أبي يوسف وبه قال أحمد، وقول مالك كقولنا.
واستدل المخالف بما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن اليهود جاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن امرأة منهم ورجلًا زنيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا نفضحهم ويجلدون فقال عبد الله بن: كذبتم فيما زعمتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فسردوها فوضع أحدهم يعني عبد الله بن صوريا يده على آية الرجم وقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا آية الرجم فقالوا: صدق يا محمد فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فرجما.
ودليلنا ما رواه إسحاق بن راهويه في مسنده قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أشرك بالله فليس بمحصن» وقد رفع هذا الخبر كما قال إسحاق مرة ووقف أخرى، ورواه الدارقطني في سننه وقال: لم يرفعه غير راهويه بن راهويه، ويقال: إنه رجع عن ذلك والصواب أنه موقوف اهـ.
وفي العناية أن لفظ إسحاق كما تراه ليس فيه رجوع وإنما ذكره عن الراوي أنه مرة رفعه ومرة أخرجه مخرج الفتوى ولم يرفعه ولا شك في أن مثله بعد صحة الطريق إليه محكوم برفعه على ما هو المختار في علم الحديث من أنه إذا تعارض الرفع والوقف حكم بالرفع وبعد ذلك إذا خرج من طرق فيها ضعف لا يضر.
وأجاب بعض أجلة أصحابنا بأنه كان الرجم مشروعًا بدون اشتراط الإسلام حين رجم صلى الله عليه وسلم الرجل والمرأة اليهوديين وذلك بما أنزله الله تعالى إليه عليه الصلاة والسلام، وسؤاله صلى الله عليه وسلم اليهود عما يجدونه في التوراة في شأنه ليس لأن يعلم حكمه من ذلك.
والقول بأنه عليه الصلاة والسلام كان أول ما قدم المدينة مأمورًا بالحكم بما في التوراة ممنوع بل ليس ذلك إلا ليبكتهم بترك الحكم بما أنزل الله تعالى عليهم فلما حصل الغرض حكم صلى الله عليه وسلم برجمهما بشرعه الموافق لشرعهم وإذا علم أن الرجم كان ثابتًا في شعرنا حال رجمها بلا اشتراط الإسلام.
وقد ثبت حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما المفيد لاشتراط الإسلام وليس تاريخ يعرف به تقدم اشتراط الإسلام على عدم اشتراطه أو تأخره عنه حصل التعارض بين فعله صلى الله عليه وسلم رجم اليهوديين وقوله المذكور فيطلب الترجيح، وقد قالوا: إذا تعارض القول والفعل ولم يعلم المتقدم من المتأخر يقدم القول على الفعل، وفيه وجه آخر وهو أن تقديم هذا القول موجب لدرء الحد وتقديم ذلك الفعل يوجب الاحتياط في إيجاب الحد والأولى في الحدود ترجيح الرافع عند التعارض.